أسرار عائلة مبارك.. أوراق أخفاها 'المخلوع' (2-3)


لن ندافع مجددًا عن حق المصريين في معرفة تاريخ رئيسهم، الذي حكم بلادهم لثلاثين عامًا، لكننا نوضح فقط لمن انتقد بحثنا في تاريخ الرئيس السابق، أن حياة الشخصيات العامة لا تكون مملوكة لهم بشكل كامل، لأن الخلفيات العائلية والأسرية تؤثر بشكل مباشر على الطباع الشخصية، ومن ثم القرارات التي لا تؤثر على من يتخذها فقط بل تؤثر في حياة وطن كامل وأجيال متتابعة.
إن كنت تبحث عن اسم الرئيس السابق كاملا فهو كذلك: محمد حسني السيد إبراهيم أحمد موسى أحمد مبارك، وإن كنت لا تعلم اسم والدته فهي السيدة 'نعيمة أحمد إبراهيم'.
معروف أن حسني مبارك لم يكن قريبًا من عائلته الكبيرة 'أولاد عمومته' ولا من أسرته الصغيرة 'والداه وأخوته'، لكن ربما في تاريخ العائلة نفسها ما يبرر ذلك، فعلاقة والده بعائلته لم تكن على ما يرام، أما سبب ذلك فله بعد اجتماعي مهم.
عندما استقرت عائلة مبارك في كفر المصيلحة، بعد هجرتهم من المصيلحة كما ذكرنا في المقال السابق، كانت هذه المنطقة ما تزال بكرًا فبدأ أفراد عائلة مبارك يملكون مساحات واسعة من الأراضي في هذه المنطقة حتى أصبح غالبيتهم من كبار الملاك، لكن الفرع الذي ينتمي إليه السيد مبارك، والد الرئيس السابق، لم يكن له نصيب كبير من هذه الأراضي، فأصبح من أفقر فروع العائلة.
وبحسب المعلومات الموثقة التي حصلت عليها من كبار العائلة، فإن العلاقة بين عائلة مبارك وأبناء عمومته توترت أكثر بعد تعيينه في وظيفة حكومية وتحديدًا حاجبا في محكمة طنطا، حيث اعتبرت العائلة أن التحاق أحد أبنائها بوظيفة حكومية، فضلا عن أن هذه الوظيفة هي حاجب محكمة تنقص من قدرها باعتبار كل أبنائها من أصحاب الأملاك.
بعد فترة أصبحت حياة أسرة السيد مبارك في كفر المصيلحة مستحيلة، خاصة أن أبناءه بدأوا يشتكون من سوء تعامل أقاربهم معهم وتسميتهم طوال الوقت 'ولاد الحاجب'، فاستغل والد الرئيس السابق نقله للعمل كرئيس لقلم المحضرين بمحكمة قويسنا، وقرر الانتقال بالأسرة من مسقط رأسه بكفر المصيلحة إلى مدينة قويسنا، رغم أن المدينة لا تبعد أكثر من 8 كيلو مترات عن كفر المصيلحة، وأنه كان يمكنه العودة من العمل إلى منزله يوميًا كما كان يفعل أثناء عمله بطنطا التي تبعد كثيرا عن قريته.
هي الهجرة الثانية في حياة عائلة مبارك، الأولى كانت للعائلة كلها من المصيلحة إلى كفر المصيلحة تحت ضغط خصومة ثأرية، والثانية لأسرته الصغيرة من كفر المصيلحة إلى قويسنا تحت ضغط سوء معاملة الأقارب، ووقتها كان مبارك في المرحلة الابتدائية بما يعني أنه كان يعي تماما ما يحدث.
استقر الحال بمبارك وأسرته في قويسنا، وعاشت الأسرة في ظروف مادية صعبة أجبرت الأب على عدم إلحاق ابنيه فوزي وسامية بالتعليم، حتى يتمكن من الإنفاق على تعليم الابن الأكبر محمد حسني الذي التحق بالمدرسة وعمره 8 سنوات، أما الابنين الصغيرين أحمد سامي وعصام الدين فالتحقا بالتعليم لكنهما لم يتقدما فيه واكتفى الأول بشهادة متوسطة لم يتمكن الثاني من الحصول عليها.
انتقل مبارك إلى مدرسة المساعي المشكورة الثانوية وأتم الدراسة بها ليلتحق بعدها بالكلية الحربية التي تخرج فيها عام 1949 حيث أصبح ضابطا بسلاح المشاة باللواء الثاني الميكانيكي لمدة شهرين، وعندما أعلنت كلية الطيران عن قبول دفعة جديدة بها من خريجي الكلية الحربية تقدم مبارك لها وأمضى فترة دراسة قصيرة بالكلية لم تتجاوز عدة شهور ليتخرج فيها في مارس 1950 ويصبح من أوائل الضباط الجويين في مصر.
علاقة مبارك بقريته كفر المصيلحة انتهت تماما بالانتقال إلى قويسنا، وعلاقته بأسرته ضعفت تماما بانتقاله للدراسة والعمل بالقاهرة، وزادت الفجوة بعد زواجه من سوزان ثابت، ذات الأصول الويلزية، في العام 1959 فلم يكن يزور أسرته إلا كل 3 شهور على الأقل فضلا عن أن علاقته بأخوته كانت هامشية تماما، وبعد وفاة والده عام 1960 عن عمر يناهز 61 عاما، ومع استقرار أوضاعه في القاهرة وبدئه مسيرة الترقي في الجيش، اشترى مبارك لأمه شقة في مصر الجديدة عاشت فيها حتى وافتها المنية في 22 نوفمبر عام 1978.
ورغم أن علاقة مبارك بأمه لم تكن عميقة، كما أنه لم يكن يتحدث عنها كما كان يفعل عبد الناصر والسادات، إلا أن كل ماتردد عن أن أمه رفعت ضده قضية نفقة لإجباره على الإنفاق عليها غير صحيح، فالأمر لم يكن ماليًا على الإطلاق بل كان إنسانيًا بحتًا، ولذلك لا تستغرب من تصرفات مبارك تجاه شعبه، إذا كان يتعامل بهذا الجفاء مع والديه وأقاربه.
لذلك ولذلك كله خرجت معارضة مبارك من قلب بيته وتحديدا عن طريق شقيقه أحمد سامي الذي أعلن العصيان في وجه شقيقه وحزبه وحكمه، وانضم إلى حزب الوفد ليترشح على قوائمه في انتخابات عام 1984 التي تحالف فيها حزب الوفد مع الإخوان المسلمين، ودخل سامي مجلس الشعب تحت راية الوفد وإلى جوار الإخوان حيث كان معه في نفس التحالف صلاح أبو إسماعيل والد الشيخ حازم أبو إسماعيل، وكان هذا المجلس من أشرس البرلمانات معارضة في هذه الحقبة.
تسبب فوز شقيق الرئيس بمقعد في البرلمان عن حزب الوفد المعارض في الإطاحة باللواء حسن أبو باشا، وزير الداخلية وقتها، فور انتهاء الانتخابات، وتؤكد مصادر من داخل العائلة أن مبارك أمر وزارة الداخلية بإسقاط شقيقه في الانتخابات، وهو ما لم تنجح فيه الوزارة، فكان قرار مبارك أن أطاح مبارك بوزير الداخلية، والمفارقة الغريبة هنا أن هذا المجلس نفسه لم يكمل مدته وتم حله عام 1987 بحكم من الدستورية العليا.. الربط جائز هنا أيضا!.
خرج أحمد سامي مبارك من حزب الوفد وأجرى حوارات في صحف المعارضة هاجم فيها شقيقه وقال إنه غير مؤهل لحكم مصر، وحاول إنشاء حزب معارض برئاسته لكن مورست عليه ضغوط شديدة للغاية حتى سافر إلى ألمانيا وعاش هناك فترة ليختفي بعدها تمامًا من الساحة السياسية حتى توفي عام 2004، وله ولدان هما وليد وسامر.
أما شقيق مبارك الآخر 'فوزي' فتوفى عام 2001 دون أن ينجب أبناء، وكان الرئيس السابق قد عينه في سفارة مصر بالنمسا في الثمانينيات رغم أنه لم يكن يحمل أي مؤهل دراسي، فيما عاشت شقيقة مبارك الوحيدة 'سامية' في مدينة طوخ بالقليوبية حتى وفاتها وكان يحبها الجميع في المدينة وكانت تعتبر نفسها أمًا للجميع لأنها لم تنجب أيضًا.
لم يتبق لمبارك سوى شقيق واحد على قيد الحياة هو 'عصام الدين' وقد أرسله مبارك بعد توليه منصب نائب الرئيس لإكمال تعليمه في ألمانيا لكنه عاد بعد 6 سنوات دون الحصول على شهادة وعينه مبارك في جامعة الدول العربية.
• في المقال المقبل نكشف خبايا علاقة مبارك بأبناء عمومته وعائلته الكبيرة في كفر المصيلحة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق